على إثر الحرب الاسرائيلية على لبنان التي بدأت في 23 أيلول 2024 ونزوح أكثر من مليون و200 ألف لبناني من المناطق الغير آمنة ، بدأت المساعدات الدولية العينيّة والمالية بالتهافت إلى لبنان مع بداية شهر تشرين الأول 2024، لذا وضعت هيئة الطوارئ الحكومية آلية عمل لتوزيع المساعدات العينيّة تهدف إلى تعزيز مبادئ الشفافية والإدارة الرشيدة.
واليوم ومع إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، لا بد من السؤال عن الآلية التي تم اعتمادها لضمان توزيع شفّاف وعادل للمساعدات وإلى أي مدى تمّ تطبيقها، بالإضافة إلى السؤال حول آلية الرقابة اللاحقة التي ستعتمد من الجهات الرقابية على كيفية صرف المساعدات وعلى عمليات "شراء الطوارئ" التي تمّت خلال الحرب.
ايصالات التسلّم والتسليم: الآلية المعتمدة لتحقيق شفافية المساعدات
بالعودة إلى لجنة الطوارئ الحكومية، تعتمد الآلية المتّبعة على توزيع المساعدات عبر المحافظين وغرف العمليات المناطقية من خلال الإدارات المحلية التي تملك المعرفة باحتياجات النازحين في مراكز الإيواء أو المنازل، وهنا يشرح رئيس وحدة إدارة الكوارث في مجلس الوزراء زاهي شاهين في حديث لـ"مهارات نيوز" إنّ المساعدات التي تأتي عبر لجنة الطوارئ الحكومية يتمّ استلامها وإدخال البيانات على المنصّة المعتمدة، من ثم تصل هذه المساعدات إلى المحافظات، ليقوم المحافظين بتوزيعها بالتنسيق مع البلديات وتوثيق العملية عبر ايصالات تسلّم وتسليم".
ويضيف شاهين أنّه "عند توزيع المحافظين لهذه المساعدات، يتم مدّ لجنة الطوارئ بكافة ايصالات التسليم لهذه المساعدات".
من هنا، قام فريق "مهارات نيوز" بجولة على بعض المحافظين ورؤساء البلديات لسؤالهم عن كيفية تطبيق الآلية المتّبعة من لجنة الطوارئ الحكومية لناحية شفافية توزيع المساعدات، إذ قال محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي لـ"مهارات نيوز" إنّ "المساعدات كانت تصلنا عبر لجنة الطوارئ أي عبر الحكومة، وكانت تقتضي الآلية أن نوقّع على كمية المساعدات التي نستلمها، من ثم نقوم بتوزيعها مباشرة في المناطق على مراكز الايواء بالتنسيق مع البلديات لتأمين اللوجستيات كالنقل وغيرها".
أما عن ايصالات التسليم فيوضح مكاوي أنّ "الآلية في محافظة جبل لبنان مرّت بمرحلتين، المرحلة الأولى من الحرب وعندما كانت المساعدات ضئيلة جدا، وزّعنا المساعدات حسب الحاجة والقدرات المتوفّرة بموجب ايصالات موقّعة من مدير المدرسة ومجموعة من النازحين، من ثم وفي المرحلة التي تحسنت فيها المساعدات لكنها بقيت ضئيلة نظرا للحاجة الكبيرة، أصبحنا نسلّم كل عائلة على حدة، ونأخذ توقيعهم على ايصال تسليم".
ويضيف مكاوي أنّه ولناحية الشفافية "حاولنا اختصار الوساطات بيننا وبين النازحين للسرعة ولضمان شفافية أكبر، فكما نعلم في لبنان هناك الكثير من "المطابخ" وعند كل هبة خارجية تأتي جمعيّة معيّنة لتكون مسؤولة عنها لذا بالنسبة لي كنت حريص على الشفافية في المساعدات عبر رفض التوزيع من خلال جمعيات ومؤسسات، فنحن لسنا بحاجة لوسيط بيننا وبين الناس، أما بالنسبة للإيصالات فهي محفوظة كاملة في المحافظة وجاهزة لأي عملية مراقبة".
أما لناحية البلديات، فقد تباينت الأدوار، فبناء على حديث محافظ جبل لبنان، أخذت البلديات في جبل لبنان دورا لوجستيا ومحطة تنسيق في المناطق، أما بعض البلديات فأخذت دورا أكبر لناحية توزيع المساعدات، إذ يشير رئيس اتحاد بلديات دير الأحمر جان فخري في حديث لـ"مهارات نيوز" إلى أنّ شحنات المساعدات أتت من هيئة الطوارئ الحكومية عبر لجنة الطوارئ الحكومية في محافظة بعلبك الهرمل، واستلمناها بموجب ايصالات استلام، ومن ثم قمنا بتوزيعها على مراكز الايواء وأخذنا توقيعهم على الكميات المستلمة وكل الايصالات محفوظة في الاتحاد، بالإضافة إلى أننا رفعنا تقريرا يتضمّن كل المساعدات التي استلمناها".
وبالعودة إلى صفحة اتحاد بلديات دير الأحمر على فايسبوك، نشر الاتحاد تقريرا في 31 تشرين الأول 2024 يتضمّن كل الجهات المموّلة والجهات المانحة، مع ذكر نوع الهبة والكمية ومركز الاستلام، على أن يتم نشر التقرير الثاني لشهر تشرين الثاني خلال أيام معدودة كما أكّد فخري.
إذا، في أغلب الأحيان، تم اعتماد نظام الايصالات في عملية تسلّم وتسليم المساعدات لضمان الشفافية، ولكن لم يخل الأمر من التحديات، إذ كان التحدي الأكبر هو النقص في كميات المساعدات مقارنة بحجم النزوح، إذ يشير فخري إلى أنّ "خطة الحكومة كانت تتحضّر بناء على تجربة حرب تموز 2006، لكن ما حصل هو نزوح أكثر من مليون و 200 ألف نازح بالإضافة للنزوح المفاجئ من المناطق جرّاء التهديدات الاسرائيلية، لذا ولضمان عدم هدر المساعدات لاسيما الغذائية كالحبوب وغيرها، أقمنا مطبخا مركزيا بمشاركة مندوبين من مراكز الايواء لنطبخ فيه ومن ثم نقوم بتوزيع الحصص على المدارس لتفادي الهدر وبذلك وبدل تأمين 20% من الحاجات الغذائية قمنا بتأمين 50 إلى 60%".
أما اليوم وبعد اتفاق وقف اطلاق النار، كان لا بد من السؤال حول الآلية التي ستعتمد لمساعدة النازحين العائدين إلى مناطقهم، و الذين لا يزالون في مراكز الايواء نظرا لعدم انسحاب الجيش الاسرائيلي من كل القرى اللبنانية، ويجيب رئيس وحدة الكوارث في رئاسة مجلس الوزراء زاهي شاهين، أنّ "94% من مراكز الايواء فرغت من النازحين، وبالنسبة للمتبقين في المراكز، ستبقى الآلية على حالها، أما بالنسبة للعائدين إلى مناطقهم لاسيما منطقة صور والنبطية فيتم التنسيق مع البلديات لتأمين الحاجات الأساسية وتأمين مراكز ايواء مؤقتة لإيواء الناس المتضررة وفي نفس الوقت اعادة التعليم الرسمي في المدارس".
الهبات والمساعدات: ثغرات تقف أمام الرقابة اللاحقة يجب تذليلها
إذا، تمّت ملاحظة اعتماد نظام ايصالات تسلّم وتسليم للمساعدات كطريقة للتوثيق ولضمان الشفافية في التوزيع عبر مقارنة كميات المساعدات المستلمة والمسلّمة، وقد أبدى كل من تمّت مقابلته جهوزية تامة لعملية المراقبة اللاحقة، وهنا يبرز السؤال حول آلية الرقابة التي سيتمّ اعتمادها بالإضافة إلى الجهة الموكلة بعملية الرقابة.
انطلاقا من اشكالية الرقابة على الهبات، ولفهم تاريخ لبنان في التعامل مع الهبات، تقول القاضية ورئيسة الغرفة الرابعة في ديوان المحاسبة نيلي أبي يونس ضمن تدريب لمؤسسة مهارات حول الشفافية المالية إنّ "كل الهبات التي تأتي إلى لبنان يجب أن يتم تسجيلها في حساب متفرّع من الحساب 36 في مصرف لبنان ويتم الموافقة عليها يموجب مراسيم تصدر عن مجلس الوزراء، لكن عمليا ومن عام 1997 حتى 2010 شهدت الهبات فوضى عارمة إذ بعض الهبات لم يتم تسجيلها في الحساب 36 ولم يتم الموافقة عليها بموجب مرسوم، والبعض منها صدر فيها مرسوم لكن لم تسجّل في حسابات الدولة، وبعضها تمت الموافقة عليها بموجب قرار وتم تسجيلها في حسابات خاصة".
والحساب 36، هو حساب خزينة الدولة اللبنانية في مصرف لبنان، والذي يتفرّع منه عدّة حسابات منها ما هو مخصّص للهبات والمساعدات التي تأتي إلى الدولة اللبنانية
وبالأرقام، صدر في هذه الفترة 293 مرسوم، وتم تسجيل فقط 23 هبة أي 8% فقط، وتم فتح 176 حساب خاص في مصرف لبنان للهبات، بالتالي لا يمكن مراقبتها، بحسب أبي يونس.
أما في الفترة ما بين 2011 و2021، تشير أبي يونس إلى أنّه "صدرت تعاميم عديدة من الحكومة وعن وزارة المالية لتنظيم عملية قبول وتسجيل الهبات، ولكن بقيت المشاكل، فالمساعدات العينية لا تتسجّل إلى اليوم على الرغم من وجود مرسوم "محاسبة المواد" يقول انه يجب تسجيلها وفق قيمتها السوقية ولكن إلى اليوم لم تقم وزارة المالية بخلق أصول لتسجيلهم".
وبالعودة إلى المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية، يجب أن تقبل الهبات النقدية والعينية بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء ويجب أن تعد وزارة المالية جدولا تفصيليا بهذه الهبات وترفعه إلى مجلس الوزراء للإطلاع.
وانطلاقا من هذه الثغرات، ما يجب القيام به اليوم هو تسجيل كل الهبات التي أتت إلى لجنة الطوارئ خلال الحرب ضمن حساب متفرّع من الحساب 36 في مصرف لبنان وأن يتم قبولها بموجب مراسيم وتقييم قيمتها السوقية لتتمّ عمليات المراقبة، بحسب أبي يونس.
العقود بالتراضي: ضرورة المراقبة اللاحقة
في مقلب آخر، يختلف المشهد لدى مجلس الجنوب، إذ لم يتلقّ أي نوع من المساعدات الخارجية بل قام بعمليات شراء لتلبية حاجات المواطنين ضمن نطاق صلاحياته الجغرافية، ويشرح رئيس لجان الاستقصاء في مجلس الجنوب حيدر الأخرس في حديث لـ"مهارات نيوز" أنّ "الآلية المعتمدة كانت تمر عبر البلديات حصرا، اذ يتم تسليمها المساعدات بموجب ايصالات، ليتم بعدها توزيعها على مراكز الايواء وأخذ التوقيع على الكمية المسلّمة".
أما عن آلية الرقابة، يؤكّد الأخرس على "وجود آلية تدقيق داخلي بالإضافة إلى الرقابة من التفتيش المركزي، وكل السلف التي أخذت من الدولة اللبنانية قانونية ويتم ردّها بحسب الأصول".
ونظرا لظروف الحرب، كانت الحكومة وهيئة الشراء العام قد وافقتا على عدم التزام الجهات الشارية بقانون الشراء العام والاتجاه للعقود الرضائية بناء على ما ينصّ عليه في القانون في الفقرة الثانية من المادة 46 والتي تبرّر الاتفاقات الرضائية في الحالات الطارئة. وكانت قد نشرت مؤسسة مهارات عدّة تقارير حول العقود الرضائية خلال الحرب.
ولكن في المقابل، تقول الخبيرة في الشراء العام في معهد باسل فليحان المالي رنا رزقالله في مقابلة ل"مهارات نيوز" إنّ "العقود الرضائية تحمل مخاطر عالية، لذا يجب أن يكون هناك ضوابط تتمثّل بتوثيق كل عملية الشراء لكي تتمّ عملية الرقابة اللاحقة بعد انتهاء الظرف الطارئ، وأيضا التحرّك الفوري للجهات الرقابية بعد انتهاء الظرف الطارئ لإجراء الرقابة اللاحقة".
وفي هذا الإطار، شدّد رئيس هيئة الشراء العام جان عليّة خلال تدريب حول الشفافية المالية أقامته مؤسسة "مهارات" على "ضرورة اعادة نشر كل تفاصيل الانفاق بعد انتهاء الوضع الاستثنائي، بالإضافة إلى ضرورة تبرير وتعليل الحالة الاستثنائية التي أدّت إلى العقد الرضائي وذلك تحت رقابة الهيئة والجهات الرقابية المختصّة".
ولكن وبالعودة لقانون الشراء العام، تنص المادة 62 أنه وفي حالات الاتفاق الرضائي، يجب على الجهة الشارية تبليغ هيئة الشراء العام نيّتها بإجراء عقد بالتراضي و نشر إشعار بطريقة الاتفاق الرضائي قبل 10 أيام من تاريخ إبرام العقد.
وإجابة على هذه الاشكالية لناحية الابلاغ المسبق، نشرت هيئة الشراء العام مذكرة رقم 8 بتاريخ 30 أيلول 2024 تشير فيها إلى أنّ "المادة 62 من قانون الشراء العام المتعلقة بموجب النشر المسبق لمدة عشرة أيام لا تطبق في هذه الحالة سندًا للفقرة 2 من هذه المادة التي تستثني من تطبيق النشر المسبق التعاقد الرضائي المسند الى الفقرتين 2 و4 من المادة 46 من القانون عينه، على أن يتم نشر العقود الناشئة عن هذا التعاقد عند زوال الظروف الاستثنائية".
أي أنّ قانون الشراء العام سمح بالتعاقد الرضائي نظرا لظروف الحرب، وبما أن هذا النوع من عمليات الشراء يطرح مخاطر عالية، يجب أن يتم توثيق كل هذه العمليات الشرائية، بالإضافة إلى ضرورة ممارسة الجهات الرقابية دورها في مراقبة صرف المال العام تعزيزا للشفافية والمساءلة.
TAG : ,المساعدات العينية ,المساعدات المالية ,الحرب ,لبنان ,اسرائيل ,الإغاثة ,لجنة الطوارئ ,مجلس الجنوب ,ديوان المحاسبة ,قانون الشراء العام ,هيئة الشراء العام ,الهبات ,الحساب 36