صحيح جزئياً
مع إنتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان، تبرز الحاجة الملحة لتقديم المساعدات العينية والمالية للنازحين والصامدين في قراهم والمتضررين وإعادة الإعمار وترميم المنازل. ولهذه الغاية كان قد طلب مجلس الجنوب من مجلس الوزراء، تمديد صلاحيته في قبول الهبات وإعفائها من الرسوم والضرائب، مبرراً طلبه بأنه يتمتع بصلاحية "تسلّم الهبات والتبرّعات والأموال التي يقدّمها أشخاص معنويون وطبيعيون لإنفاقها في الغايات التي أنشئ من أجلها المجلس"، وأن هذا الأمر يتطلب إعفاء الهبات من الرسوم والضرائب.
ولكن هل يحق قانوناً لمجلس الجنوب إستلام هبات بشكل مباشر؟
قرّر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، إرجاء البتّ في بند اقتراح مجلس الجنوب الرامي إلى تمديد صلاحيته في قبول الهبات وإعفائه من الرسوم والضرائب، علماً أنه سبق أن أقرّ المجلس قبل مدة وجيزة منح الهيئة العليا للإغاثة هذه الصلاحية.
جاء الملف إلى مجلس الوزراء بعنوان "تجديد إعفاء الهبات والمساعدات المقدمة لمصلحة مجلس الجنوب بهدف تقديم المساعدات العينية والمالية للنازحين والصامدين في قراهم والمتضررين وإعادة الإعمار وترميم المنازل من الضرائب والرسوم الجمركية". وفيه أن مجلس الجنوب قد "نال" في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في 18/11/2024، قبول الصلاحية وإعفاء المساعدات من الضرائب والرسوم حتى 31/12/2024، لكنه طلب في كتاب موجّه إلى رئيس الحكومة في 3/12/2024 تجديد هذا القرار لأسباب عدّة، أهمها أن العدوان الإسرائيلي على لبنان خلق أضراراً كبيرة في المباني والممتلكات، فضلاً عن أن مهمات المجلس الأساسية تقديم المساعدات العينية والمالية للنازحين والصامدين في قراهم والمتضررين وغيرها من المهمات الناتجة من الاعتداءات الإسرائيلية السابقة والحالية، كما أن "عدداً من الجهات تبدي رغبتها في إرسال منح وهبات لمجلس الجنوب لمساعدته في القيام بمهماته بتوزيعها مجاناً على الأهالي الصامدين والمتضررين وكذلك تقديم مواد بناء لإعادة الإعمار".
ولكن لفهم تاريخ لبنان في التعامل مع الهبات، تقول القاضية ورئيسة الغرفة الرابعة في ديوان المحاسبة نيللي أبي يونس ضمن تدريب لمؤسسة مهارات حول الشفافية المالية، إنّ "كل الهبات التي تأتي إلى لبنان يجب أن يتم تسجيلها في حساب متفرّع من الحساب 36 في مصرف لبنان ويتم الموافقة عليها بموجب مراسيم تصدر عن مجلس الوزراء، لكن عملياً ومنذ العام 1997 حتى 2010 شهدت الهبات فوضى عارمة، إذ لم يتم تسجيل بعض الهبات في الحساب 36 ولم يتم الموافقة عليها بموجب مرسوم، والبعض منها صدر فيها مرسوم لكن لم تسجّل في حسابات الدولة، وبعضها تمت الموافقة عليها بموجب قرار وتمّ تسجيلها في حسابات خاصة".
والحساب 36، هو حساب خزينة الدولة اللبنانية في مصرف لبنان، والذي يتفرّع منه عدّة حسابات منها ما هو مخصّص للهبات والمساعدات التي تأتي إلى الدولة اللبنانية.
وبالأرقام، صدر في هذه الفترة 293 مرسوما، وتمّ تسجيل فقط 23 هبة أي 8% فقط، وتمّ فتح 176 حسابا خاصا في مصرف لبنان للهبات، بالتالي لا يمكن مراقبتها، بحسب أبي يونس.
أما في الفترة ما بين 2011 و2021، تشير أبي يونس إلى أنّه "صدرت تعاميم عديدة من الحكومة وعن وزارة المالية لتنظيم عملية قبول وتسجيل الهبات، ولكن بقيت المشاكل، فالمساعدات العينية لا تتسجّل إلى اليوم على الرغم من وجود مرسوم "محاسبة المواد" الذي ينص على أنه يجب تسجيلها وفق قيمتها السوقية ولكن إلى اليوم لم تقم وزارة المالية بخلق أصول لتسجيلهم".
وبحسب المحامي والخبير الدستوري لؤي غندور، في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، فإن المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية تحتّم قبول كل هبة تصل إلى الدولة أو إلى أي مجلس أو هيئة بموجب مرسوم يٌتخذ في مجلس الوزراء، لكل ما تتجاوز قيمته الـ 250 مليون ليرة لبنانية وفق التعديل الجديد في العام 2024 في قانون الموازنة.
ويؤكد غندور أنه "يحق لمجلس الوزراء تفويض كلّ الصلاحيات غير الدستورية فقط، أما المواضيع المذكورة في الدستور والتي أناطها الدستور في مجلس الوزراء فهي غير قابلة للتفويض. فعلى سبيل المثال يستطيع الوزير أن يفوّض المدير العام بصلاحيات محددة ولكن لا يمكن تفويضه بصلاحيات دستورية كحضور جلسة مجلس الوزراء مكانه".
كما وأن موضوع قبول الهبات غير مذكور في المادة 65 من الدستور اللبناني بحسب غندور، وبالتالي فإن هذه الصلاحية غير دستورية ويمكن تفويضها والتفويض يجب أن يكون لمدة محددة. ولكن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كان قد أصدر في العام 2023 تعميماً (رقم 6 تاريخ 6-3-2023)، طلب فيه من كل الهيئات التقيّد بأحكام المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية عدم قبول هبات دون العودة إلى مجلس الوزراء والإلتزام بتقديم تقارير عن المشاريع التي تمّ تمويلها من أموال الهبات والعمل على التنسيق مع رئاسة الوزراء لإغلاق أي حسابات مفتوحة بإسم هذه المجالس ومنها مجلس الجنوب في المصارف وتحويل أموالها إلى الحساب رقم 36 في المصرف المركزي. وبالتالي اليوم لا صلاحية لمجلس الجنوب لقبول هبات حتى إشعار آخر أو حتى إقرار ذلك في مجلس الوزراء.
ولكن لتسهيل الأمور كما حصل في حالة الهيئة العليا للإغاثة يمكن للحكومة أن تقوم بتفويض بعض صلاحياتها لهيئة أو لشخص أو لوزير. فعلى سبيل المثال قد توقع الحكومة عقد في حالات معينة مع جهة معينة وفي حالات أخرى قد تفوّض الوزير الفلاني للقيام بالمهمة كما حصل عندما فوضت الحكومة جبران باسيل في الماضي ليوقع عقد البواخر. وفي الطريقة نفسها كانت الحكومة قد فوضت مجلس الجنوب وللهيئة العليا للإغاثة و انتهى وقته لأن التفويض يجب أن يكون محدد بمدة معينة و بسقف معين (مدة وكمًّا).
وبالعودة إلى المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية، يجب أن تقبل الهبات النقدية والعينية بموجب مرسوم يٌتخذ في مجلس الوزراء ويجب أن تعد وزارة المالية جدولاً تفصيلياً بهذه الهبات وترفعه إلى مجلس الوزراء للإطلاع.
تقول الفقرة 2 من المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية: 1 - تقبل بمرسوم يصدر بناءً على اقتراح الوزير المختص ووزير المالية الهبات النقدية والعينية التي يقدمها للدولة الأشخاص المعنويون والحقيقيون إذا كانت قيمتها لا تتجاوز 250,000,000 ليرة لبنانية. 2 - تقبل بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء الهبات النقدية و/أو العينية التي يقدمها للدولة الأشخاص المعنويون والحقيقيون إذا كانت قيمتها تتجاوز 250,000,000 ليرة لبنانية. 3 - تقيد الهبات النقدية الواردة للخزينة اللبنانية في قسم الواردات من الموازنة وإذا كانت لهذه الهبات وجهة انفاق معينة فتحت لها وفقاً للأصول اعتمادات بقيمتها في قسم النفقات. 4 - تعد وزارة المالية جدولاً فصلياً بالهبات المنوه عنها في البندين (1) و (2) والواردة إلى الخزينة اللبنانية وترفعه إلى مجلس الوزراء للإطلاع. تقول المادة 7 من الموازنة العامة للعام 2024 حول تحديد أصول إنفاق الهبات والقروض الخارجية: 1 - باستثناء البلديات واتحادات البلديات تقبل وفق أحكام المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية وتعديلاتها، والمادة 88 من الدستور، الهبات والقروض الخارجية المقدمة إلى كل من الإدارات العامة والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة على أنواعها، وإلى المجالس والهيئات والصناديق على اختلاف تسمياتها، وإلى سائر المؤسسات والهيئات التي تتولى إدارة مرافق عامة، ويخضع الإنفاق من الهبات النقدية ومن القروض، سواء كان ذلك من الجزء المحلي أو من الجزء الأجنبي، لرقابة ديوان المحاسبة حسب الأصول. |
في السياق، يشرح الخبير القانوني طوني مخايل، في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، أن نظام مجلس الجنوب القانوني ينص على إمكانية إستلامه للهبات والتصرف فيها وفقاً للغاية المحددة لها. ولكن بحسب المبدأ القانوني العام فإن مجلس الوزراء يشدّد على أن يتم التصريح عن أي هبة وتسجيلها وأن يصدر بها مرسوم وأن تُدرج في حسابات مصرف لبنان في حساب فرعي ضمن الحساب 36 لمجلس الجنوب وتسلّم له لاحقاً لتنفيذها.
ويضيف، قد تحصل تسوية أحياناً، حيث تصدر بعض المراسيم في بعض الحالات والظروف الإستثنائية التي تلزم إعطاء القدرة سريعاً على إستلام الهبة والتصرف بها ولكن هذا لا يعني أن لا يتم إعطاء هذه الهبة شرعيتها لاحقاً عبر صدور مرسوم تسوية فيها، فيوافق مجلس الوزراء عليها بقرار صريح، ويتم تسجيلها في حسابات الدولة سواء أكانت بظروف إستثنائية أم عادية، وأن يتم التدقيق بصرفها لاحقاً وفقاً للأصول القانونية. وبالتالي يستخدم مجلس الجنوب هذا التفويض لإستلام الهبات المخصصة له تحديداً، وتخليص المعاملات كونها معفاة بحكم القانون من الضرائب والرسوم الجمركية.
الهبات معفية بحكم القانون
بناءً على المرسوم الإشتراعي رقم 64 - الصادر في 25/6/1977، يتم إعفاء الهبات المقدمة للإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات بقصد المساعدة من جميع الرسوم، وفق ما يلي:
المادة 1- تُعفى من جميع الرسوم، ولا سيما الجمركية والمالية والبلدية والمرفأية، الهبات المقدمة إلى الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات ، بقصد المساعدة .
المادة 2- يقدم طلب الإعفاء إلى وزارة المالية .
يبت الطلب وزير المالية أو المرجع الذي يعينه الوزير لهذه الغاية .
المادة 3- يعمل بهذا المرسوم الإشتراعي في اليوم التالي لنشره لصقا على مدخل مقرّ رئاسة الحكومة.
وبحسب القانون رقم 379 - الصادر في 14/12/2001 (الضريبة على القيمة المضافة)، القسم الثاني - المادة 18- الإعفاء عند الإستيراد.
يُعفى من الضريبة:
1- إستيراد الأموال التي يكون تسليمها داخل الأراضي اللبنانية معفى من الضريبة عملاً بأحكام المادتين 16 و 17 من هذا القانون.
2- عمليات الإستيراد المنصوص عليها في التشريع الجمركي والمتعلقة بالإعفاءات الخاصة برئاسة الجمهورية ومجلس النواب ورئاسة الحكومة وبمنظمة الأمم المتحدة والإعفاءات السياسية والقنصلية والهبات الواردة لإدارات الدولة والمؤسسات العامة والبلديات.
إذاً، الإشكالية المطروحة صحيحة جزئياً، إذ لا صلاحية لمجلس الجنوب بقبول الهبات مباشرةً، ولكن مع تفويض من مجلس الوزراء في الحالات الإستثنائية مثل الحروب، يمكنه إستلامها مباشرة وهي معفاة بحكم القانون من الضرائب والرسوم الجمركية. على أن يتم إصدار مراسيم لاحقة على سبيل التسوية والإلتزام بشروط التسجيل في حساب خزينة الدولة اللبنانية في مصرف لبنان.