Loading...

دراسة لمؤسسة مهارات: "بين الإعلام التقليدي والإعلام البديل في زمن التغيير"

يعيش لبنان بعد ثورة 17 تشرين مرحلة انتقالية بعدما رفع الشارع صوته في مواجهة السلطة الحاكمة. ويزداد في هذه المرحلة، مع مواكبة الجمهور للتطورات والأحداث، دور وسائل الإعلام والاتصال كونها محركاً للأفكار والطروحات عبر نقلها الأحداث وتحليلها والتعليق عليها، او من خلال إعطائها الكلام والمنبر لقيادات أو اشخاص يتفاعلون مع الرأي العام ويسوّقون لأفكار وعقائد تؤسس لاتجاهات سياسية واجتماعية ودينية.

ومن أجل استشراف دور وسائل الإعلام المتعددة في هذه الاستحقاقات، لا بدّ من دراستها بعمق لفهم المنحى الذي تتخذه، مواكبتها قضايا الناس والمجتمع، آلية عملها ومدى ارتباطها بالسلطات المختلفة من سياسية واقتصادية وحزبية وموقفها من الاوضاع العامة.

لذلك، أطلقت مؤسّسة مهارات دراسة لمعرفة اهتمامات وتوجّهات وسائل الإعلام وإجراء مقارنة معمّقة في التغطيات الإخبارية بين الإعلام الجديد والإعلام التقليدي بعد سنة من انطلاق ثورة 17 تشرين.

وتطرح الدراسة العديد من القضايا الحساسة التي رافقت ثورة 17 تشرين وشكّلت أبرز مطالب الناس

                                      

اهتمامات وسائل الإعلام بالإنتخابات النيابية المبكرة:

شكّل موضوع الانتخابات البرلمانية أحد المطالب الرئيسية للتظاهرات الشعبية وللثوار على اعتبار كونه مدخلاً أساسياً للتغيير وإعادة تشكيل السلطة. وقد سقط اقتراح القانون المقدّم من حزب الكتائب لتقصير مدة ولاية المجلس واجراء انتخابات نيابية مبكرة بتصويت 18 نائبا عليه فقط، ليتبين أن أغلب القوى السياسية لا تريد هذه الانتخابات لأسباب متنوّعة. 

فهل اكتفت وسائل الإعلام بنقل مواقف الأطراف الأساسية؟ أو لعبت دورها في طرح القضية من منطلق التأثير في المواقف والحث على ضرورة الالتزام بالمسار الديمقراطي لتشكيل السلطة والحكم، كما التوعية والتثقيف الانتخابي والسياسي؟

في إطار التغطيات الإعلامية، رفض الإعلامي وليد عبّود في الجلسة الحوارية التي أقامتها مؤسسة مهارات لإطلاق الدراسة "شيطنة" وسائل الإعلام التقليديّة، فهي على حدّ تعبيره أعطت 90% من تغطيتها ونشرات أخبارها للشارع وصوت الناس أثناء الانتفاضة.

من جهتها، ردّت الصحافية في موقع "درج" ديانا مقلّد على هذه النقطة بالقول: "جزء من مشكلة الإعلام التقليدي أنه لم يتابع تجليات ما نتج عن 17 تشرين من مجموعات وبرامج سياسية".

أظهرت الدراسة أنّ وسائل الإعلام التقليدية لم تأخذ المبادرة  في طرح ملف الانتخابات النيابية المبكرة بل جاءت التغطية بشكل خاص كردة فعل على دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الى انتخابات مبكرة وعلى طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري لمشروع قانون انتخابي جديد، ما ولّد ردات فعل على الطرحين.

 

تجدر الإشارة إلى أن اللافت هو غياب أي تحقيق حول هذا الملف وغياب الناشطين وممثلين الحراك عن النشرات الإخبارية التي اقتصرت في ما يخص قضايا الانتخابات على السياسيين، ما يدلّ على ضعف الإهتمام بهذا الموضوع بموقعه كمطلب أساسي للشعب اللبناني في انتفاضة 17تشرين. في العموم لم تكن التغطيات إلى جانب الثوار، فلم ترد مطالبهم إلا في 6 تغطيات من أصل 58 تغطية ذات صلة بالانتخابات.

تشكّل الانتخابات النيابية تحقيقاً للديمقراطية عبر اختيار الشعب لممثليه بشكل ديمقراطي وقد غابت التوعية والتثقيف الانتخابي بشكل شبه كامل عن التغطيات والنشرات الإخبارية، إذ لم يرد الموضوع سوى بتقرير واحد من أصل 58 تضمّن شرحاً عن اقتراحات القوانين المختلفة المقدمة من قبل الكتل النيابية للمناقشة في لجان البرلمان النيابية المشتركة.

أما استقالات النواب فجاءت كمثال صارخ على طريقة معالجة قضايا الانتخابات المختلفة بحسب تبعيتها السياسية وخطها التحريري، فكان موضوع سخرية من جانب قناة  OTV بينما هنأت قناة MTV اللبنانيين بهذه الاستقالات.

مطالب ثورة 17 تشرين الأول:

لم تفرز التظاهرات التي استمرت لأسابيع طويلة في مختلف المناطق اللبنانية حركة سياسية موحّدة تحت مشروع سياسي واضح في مواجهة السلطة الحاكمة. لكن ذلك لا ينفي صوابية المطالب والشعارات التي أجمع عليها حتى أهل السلطة والتي رفعها المتظاهرون بشكل عفوي طوال الانتفاضة.

لكن بعد أكثر من سنة على انطلاق الانتفاضة، هل ما زالت المطالب والشعارات حاضرة وتشكل ركيزة وموضوع اهتمام للتغطيات الاعلامية المختلفة؟ أم أن الأجندة الإعلامية اختلفت مع فتور الانتفاضة؟

يقول الصحافي في موقع "ميغافون" جوناثان داغر خلال الجلسة الحوارية إنّ الإعلام التقليدي قام بتغطية الانتفاضة لكن الإشكالية الكبرى هي في كيفية إتمام هذه التغطية. 

وانطلاقاً من أنّ الانتفاضة ومراكمة الوعي عند الجمهور من قبل وسائل الإعلام هو أمر مستدام لا يقتصر فقط على زخم التظاهرات أو خفوتها، بل بمتابعة ما ينتج عنها من برامج سياسية وحركات، كان لا بدّ من دراسة تغطيات وسائل الإعلام في الذكرى السنوية الأولى للثورة.

أظهرت الدراسة أنّ 9 من أصل 123 تغطية إخبارية أشارت صراحة إلى ثورة 17 تشرين و8 بالمئة من مجموع التقارير أشارت إلى المطالب التي رفعتها الثورة بالإضافة إلى 2.5 بالمئة من مجموع التقارير المرصودة تعلّقت بمحاسبة السياسيين والموظفين الفاسدين، مع الإشارة إلى أنّ هذه النسبة الضئيلة من التقارير فرضت نفسها لارتباطها بالأحداث لا بوصفها خياراً تحريرياً في نشرات الأخبار، الأمر الذي يعطي صورة عن تهميش ثورة 17 تشرين ومطالبها في المحطات التلفزيونية.

وبيّنت التقارير المرصودة تهميش الناشطين في الحراك والانتفاضة كمتحدثين رئيسيين في التقارير المرصودة كما يبيّن الرسم البياني:

 

ولطالما شكّلت قضايا المرأة  ودورها في الحياة السياسية  مطلباً لأي حركة تسعى إلى التغيير الديمقراطي في لبنان.

وانطلاقاً من تعيين 6 وزيرات في حكومة دياب و من دور المرأة في البرامج السياسية على محطات التلفزة، تبيّن الدراسة تهميش وسائل الإعلام للمرأة، فلم يعطَ تعيين الوزيرات على غير العادة الأهمية الكافية. أكثر من ذلك، خيّمت بعض السخرية على أجواء بعض نشرات الأخبار مستعملين تعليقات "بأنهن سينقلن كل الخبريات في الصبحية" و "راجل وست ستات- حنعرف اخبار الحكومة من اللقلقة".

أما في برامج "التوك شو"، فقد بلغت نسبة ظهورهن كضيفات، سواء أساسيات او عبر اطلالة خاصة، %16 من مجمل الظهور العام مقابل %84 للرجال.

الإعلام البديل والإعلام التقليدي:

مع ظهور التقنيات الرقمية، ظهر الإعلام البديل الذي لعب دوراً شبيهاً بوسائل الإعلام التقليدية من خلال نقل وتغطية الخبر ليتسع دورها وتأخذ شرعيتها من حجم متابعيها.

وتميزت منصات الإعلام البديل بمساحة حرية واسعة، إذ أنها تخرج من إطار الإعلام القريب من السلطة أو الاعلام المرتبط بمؤسسات كبيرة لها التزاماتها السياسية والمادية ولها خطها التحريري الذي غالبا ما تحدده تلك الارتباطات.

وتقول ديانن مقلّد: "يُتهم الاعلام البديل بأنه يخضع لتمويل خارجي، أخذنا على عاتقنا كإعلام بديل ألا نخضع للتمويل السياسي ولا نأخذ تمويلاً من حكومات أو جهات سياسية" مضيفة "لا تضع مصادر تمويلنا أي خطوط حمر على عملنا الصحافي".

وقد أظهرت الدراسة  أولويات الإعلام التقليدي والإعلام البديل، لتأتي النتائج على الشكل التالي:

 

المتحدّثون الرئيسيون بين الإعلام التقليدي والإعلام البديل:

 

 

 نستنتج أن الإعلام البديل متحرر من إعطاء الكلام لبعض الفئات مثل رجال الدين والقوى الأمنية أو المتحدثين باسم الإدارة، ويعطي مكانة كبيرة للناشطين وللجمهور. وهو ما أكّده عاملون فيه خلال الجلسة الحوارية، ذلك أنّ المهمة الأساسية لهذه المنصات هي كسر سردية المنظومة السياسية التي يتبناها الإعلام التقليدي للأسف عبر إعطائه الجزء الأكبر من منابره للقوى السياسية والقوى المتحكّمة في البلد.

تلحظ الدراسة أنّ الكثير من ملفات الفساد الحسّاسة تمّ طرحها من قبل الإعلام البديل بجرأة، وكمثال على ذلك شنّت منصة "درج ميديا"بين 8 و13 تشرين الثاني هجوماً عنيفاً على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فوصفته بـ "المرابي" و"اللص الكبير". وأظهر الفيديو المرفق أن للحاكم قوة استثنائية ولا يخضع لمقررات رئيس الحكومة أو المجلس النيابي أو رئيس الجمهورية.

في المقلب الآخر، تقول مقلّد: "مدافعة بعض وسائل الإعلام عن النظام المصرفي الذي أوصل الوضع الاقتصادي إلى ما هو عليه اليوم جعل منها طرفاً لا وسيلة إعلامية تمارس رقابة على السلطة". وهنا يظهر التباين بين الحرية التي يقارب بها الإعلام البديل ملفات الفساد مقارنة مع الإعلام التقليدي.

تعاطي وسائل الإعلام مع قضايا الفساد:

كنموذج، أخذت الدراسة قضيتي "الفيول المغشوش" و"الدجاج الفاسد". فكيف غطّى الإعلام المرئي هاتين القضيتين؟

يقول وليد عبود: "كإعلام تلفزيوني عالجنا موضوع الدجاج الفاسد".

وبعد رصد الدراسة للقنوات التلفزيونية، تبين وجود إهمال للقضيتين من خلال عدم متابعتهما في كافة المراحل، لتغطّي المحطات ملف الدجاج الفاسد مرة واحدة خلال الأربعة أيام، باستثناء تغطيتين لقناة LBC.

أمّا التقارير، فشكّلت التحقيقات 22% بينما 78% كانت تقارير إخبارية وبيانات، أعطي الكلام بأغلبه لوزراء يحاولون تلميع صورتهم، فيما لم تعط المساحة لاختصاصيين، ما يبيّن خدمة وسائل الإعلام لسردية السلطة والترويج لها.

وغابت الصحافة الاستقصائية عن هذه الملفات، رغم أنّه كان يمكنها تأدية دورها بامتياز. وفي هذا الإطار، تقول مقلّد: "وجّهت مبادرات فرديّة لصحافيين في الاعلام التقليدي الإصبع على الفساد لكن لا يمكن للإعلام التقليدي تخطّي الخطوط الحمر المتمثّلة بالمموّلين والسياسات التحريرية".

تقول مقلّد: "كإعلام بديل كان الهدف مقاربة الملفات بشكل موضوعي ونقدي مع استقلال عن المال السياسي".

وفي هذا الإطار، قاربت الدراسة تعاطي الإعلام البديل مع الانتخابات الطلابية.

وأوردت أن درج ميديا بثّت روح الإنتصار عند الطلاب المستقلين: "بينما تتراجع أصوات النوادي التابعة لأحزاب السلطة، ترتفع الأصوات المؤيدة للنادي العلماني الذي يلقى دعماً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي من نشطاء الانتفاضة والصفحات الداعمة لها".

وبثّت روح الهزيمة عند أحزاب السلطة  "أعلنت أندية يسيطر عليها كل من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية”، انسحابها من الانتخابات الطالبية في الجامعة الأميركية في بيروت، بحجة الأخطاء التي ترافقها".

وكاستنتاج لما سبق، ذهب الإعلام البديل بعيداً في اعتبار هذه الانتخابات هزيمة للأحزاب السياسية، ومنح المساحة اللازمة للطلاب التواقين للتغيير واعدا بتحول في الحياة السياسية وفي الانتخابات المقبلة.

المؤثرون والإعلاميون الجدد على مواقع التواصل الإجتماعي:

ظهرت على الساحة الإعلامية مع الفورة الرقمية الحاصلة فئة جديدة من الإعلاميين والمؤثرين (influencers) من خارج وسائل الإعلام التقليدية. ليكون التواصل مباشرة مع الجمهور دون أي شروط وقيود سياسية كتلك الموجودة في الإعلام التقليدي، ما أتاح هامش حرية أوسع وجرأة أكبر في طرح المواضيع.

أجرت الدراسة مقابلات مع العديد من المؤثرين بهدف درس طريقة عملهم وتفاعلهم مع الإعلام التقليدي ومدى علاقتهم به.

تستنتج الدراسة أن الأكثرية الناشطة على مواقع التواصل هي من فئة الشباب. تتراوح أعمار المؤثرين بين 25-35 سنة مع مستوى علمي يبلغ الدراسات العليا، بينما أعمار المتابعين بين 20-40 سنة.

يشكّل الشأن الإقتصادي رأس اهتمامات المؤثرين. في هذا الإطار يقول الصحافي محمد فاعور إنّ ضعف الخطاب الإقتصادي قبل 17 تشرين وتحويله لأمر تقني منفصل عن مصالح الناس وحصره بالاختصاصيين كان أمراً ممنهجاً.

ويتابع فاعور: "دور الإعلام البديل هو مواجهة السرديات الخاطئة التي تروّج لها السلطة، فشعار "خلي الدولة تدفع ديونها" هو إحدى السرديات الخاطئة فالدفع ضمن نفس السياسات المتبّعة من السلطة الحاكمة سيقابله  رفع للضرائب على الناس فبالتالي تضر بمصالحهم المباشرة".

ونتيجة للاحتكاك المباشر بين المؤثرين على مواقع التواصل ومصالح الناس، خلصت الدراسة إلى أن الإقبال على مواقع التواصل في مرحلة الثورة وما بعدها أدى إلى مضاعفة عدد المتابعين وتفاعل أكبر مع هذه المنشورات بنسبة 64%.

وشدّدت الأستاذة حليمة قعقور على ضرورة توسيع العلاقة بين المؤثرين الذين لعبوا دوراً كبيراً في مواجهة الفساد وسرديات السلطة الحاكمة وبين مراكز الدراسات ووسائل الإعلام التقليدية لتشكيل جبهة مواجهة.

الصحافة الإستقصائية: