Loading...

"ضعيف"! هذا هو ترتيب قطاع النفط والغاز في لبنان

 

تُعتبر حوكمة قطاع النفط والغاز الناشئ في لبنان "ضعيفة" بحسب أوّل تقييم يخضع له البلد والقطاع، إذ حصل على نتيجة 53 نقطة من أصل 100 في مؤشر حوكمة الموارد لعام 2021. وبحسب التقديرات الأخيرة التي قام بها معهد حوكمة الموارد الطبيعية من غير المحتمل أن ينتج لبنان أي نفط أو غاز قبل تقريبًا عام 2030، في حال بدأت أعمال. وأظهرت نتائج لبنان في المؤشر تفاوتا كبيرا بين المكونات الثلاثة الضرورية لحوكمة الموارد بكفاءة وهي "تحقيق القيمة، إدارة الإيرادات والبيئة التمكينية" إذ تراوحت من مقبول إلى ضعيف وسيء، متأثرةً بشكلٍ أساسي بالأزمات السياسية التي يعاني منها لبنان منذ عقود. 

 

بعد سنة على توقف أعمال التنقيب ما هي آخر التطورات على مستوى حوكمة الموارد النفطية والغازية في لبنان؟ 

 

 

بعد أن أُرجئت جولة التراخيص الثانية عام 2019 إلى 31 كانون الثاني 2020 كموعد نهائيّ لتقديم طلبات الاشتراك فيها، عادت وأرجئت من جديد بناءً على طلب شركات النفط والغاز العالمية، ونظرًا لتداعيات جائحة فيروس كورونا عالميًا على ما قالت الشركات، تم تأجيل هذا الموعد إلى 30 نيسان 2020 و إلى 1 حزيران 2020 على التوالي وفق قرارين لوزير الطاقة والمياه السابق ريمون غجر.

 

الا انه بتاريخ ٢٣ تشرين الثاني ٢٠٢١، وقّع وزير الطاقة الحالي وليد فيَاض قرارًا يقضي باستكمال دورة التراخيص الثانية في المياه البحرية اللبنانية التي سبق أن وافق مجلس الوزراء على إطلاقها، وقد تضمن قرار الوزير المستند الى توصية هيئة إدارة قطاع البترول تحديدًا للموعد النهائي لتقديم طلبات الاشتراك في الدورة من قبل شركات النفط والغاز وهو 15 حزيران 2022. كما تضمن القرار أرقام الرقع المفتوحة للمزايدة وهي الرقع الثمانية غير الملزمة من أصل الرقع العشرة، مع العلم أن الرقعتين 4 و9 قد تم تلزيمهما بفعل دورة التراخيص الأولى عام 2017 لتجمع شركات ENI-TOTAL-NOVATEK.

تدور اليوم الكثير من التساؤلات حول رغبة الشركات للتقدم إلى الاستثمار في لبنان في ظل الأزمات المتتالية التي يشهدها على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والمالي بحسب خبيرة حوكمة النفط والغاز لوري هايتايان.

 

 

وعلى الصعيد القانوني، نص قانون الموارد البترولية في المياه البحرية والقانون رقم 84/2018 على دعم الشفافية في قطاع البترول وفق معايير صارمة لتأهيل الشركات وقواعد لضبط عملية منح التراخيص، بالإضافة إلى قواعد متعلقة بالكشف عن أسماء المشاركين والفائزين والمناطق النهائية المخصصة. 

 

ويتوجب على الحكومة وهيئة قطاع البترول الافصاح علنًا عن العقود الموقعة مع شركات النفط والغاز وعن كافة شروط ما قبل الترخيص، وعلى موقع الهيئة، بما في ذلك اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج الموقعة للبلوك 4 والبلوك 9، ما يتيح للمواطنين وأصحاب العلاقة الرئيسيين فهم ما تفعله الحكومات والشركات الاستخراجية بالموارد الطبيعية في البلاد. 

 

كما تفرض القواعد على الشركات إجراء تقييمات للأثر البيئي والاجتماعي وإعداد خطط للتخفيف من الآثار البيئية. وقد نشرت هيئة إدارة قطاع البترول هذه الوثائق على موقعها الإلكتروني وأفصحت عن نتائج تقييمات الآثار البيئية للبلوك 4 فيما لا تزال التقييمات المتعلقة بالبلوك 9 قيد الإعداد. 

 

وعلى الرغم من تسجيل لبنان 73/100 كنتيجةٍ مقبولةٍ في قياس جودة الحوكمة فيما يتعلق بتخصيص حقوق استخراج وكذلك الاستكشاف والإنتاج وحماية البيئة وتحصيل الإيرادات والمؤسسات المملوكة للدولة، إلا أنه لا يزال يفتقر إلى إنشاء سجل بترولي شامل لتمكين المجتمع المدني والهيئات الرقابية والقطاع الخاص من فهم الحقوق البترولية المتوفرة.

 

أما على الصعيد المالي،  لم يوافق حتى الآن مجلس الوزراء على موازنة عام 2021، وبسبب عدم انعقاده تشتد الصعوبات أمام إتمام الأمور المالية المتعلقة بموارد قطاع النفط والغاز، كما ينبغي أن تحرص الحكومة خلال الفترة السابقة لبداية إنتاج النفط والغاز على إصدار القواعد المالية اللازمة لضبط النفقات العامة.

 

ولم يمرر مجلس النواب أي قانون لتنظيم عمل الصندوق السيادي الذي تنص المادة الثالثة من قانون الموارد البترولية في المياه البحرية على إنشائه. وإذا أرادت الحكومة إنشاء صندوق سيادي شرعي في نظر المجتمع المدني وأصحاب العلاقة الرئيسيين، لا بدّ من صياغة رؤية اقتصادية واستراتيجية واضحتين للطاقة ومن اعتماد الانفتاح والشفافية والمشورة، وقبل انطلاق أنشطة الإنتاج، يجب أن يكون المواطنون واثقين من أن القواعد الصارمة المتعلقة بالودائع والسحوبات والاستثمارات والإبلاغ ستؤدي إلى حماية الإيرادات الناجمة عن الموارد بحسب تحليل مؤشر حوكمة موارد لبنان الذي قامت به خبيرة حوكمة النفط والغاز لوري هايتايان والمحامي في قضايا مكافحة الفساد أرون ساين. 

 

لهذا يجب أن تعتمد الحكومة قواعد مالية ونموذج متين لحوكمة الصندوق السيادي من أجل بناء الثقة في طريقة تعامل الحكومة مع قطاع النفط والغاز. ونتيجةً لذلك صُنِفَ لبنان في شريحة الأداء "الضعيف" على صعيد إدارة العائدات" وسجل 50 نقطة من أصل 100.

 

وأحرز لبنان مرتبة من سيئة إلى فاشلة في قياس الجودة العامة للدولة أي 36 من أصل 100، وهو ليس بالأمر الغريب إذ إن الفساد المستشري في كل من إدارات الدولة والاقتصاد والمال وغياب الاستقرار السياسي يشكلان خطرًا كبيرًا على حوكمة موارد النفط والغاز في لبنان.  

 

وقد تبين عدم وجود قواعد قانونية تفرض على المسؤولين الحكوميين الإفصاح بشكل كامل عن الحيازات المالية في الشركات الاستخراجية، فضلًا عن غياب التدقيق لدى الهيئات المالية الرئيسية، الأمر الذي يزيد من احتمال تفشي الممارسات الفاسدة في هذا القطاع الناشئ.

 

 

وعلى الرغم من كل المساوئ الإدارية والفساد وعدم الاستقرار السياسي الذي يعاني منه لبنان، يتمتع بإطار قانوني جيد فيما ما يتعلّق بأنظمة التراخيص والضرائب، إلا أن السلطات المعنية لا تطبقها أو تلتزم بها دائمًا. وعلى سبيل المثال، "تتطلب القواعد المنصوص عليها في القانون رقم 84/2018 حول دعم الشفافية في قطاع البترول الإفصاح عن المدفوعات التي تسددها الشركات الاستخراجية للحكومة، إلاّ أن السلطات لم تفصح عن الإيرادات والرسوم المحصلة من طلبات ما قبل التأهيل. إضافةً إلى ذلك، لم يدقق ديوان المحاسبة تدقيقًا شاملًا في حسابات وزارة المالية منذ العام 2015 بسبب عدم تقديم هذه الحسابات لمراجعتها". 

 

 

لهذا حذّرت هايتايان من إعطاء قطاع النفط والغاز في لبنان دورًا ما في النهضة الاقتصادية على المدى القريب، وأن لا تقع الدولة اللبنانية في "لعنة ما قبل الموارد" التي قد تتجسد في قرارات صادرة عن الجهات المعنية تقضي بالاستدانة على أمل تحصيل الأموال من  قطاع  النفط والغاز الواعد وفق استكشافات غير واضحة حتى الآن، مما قد يؤدي إلى المزيد من الديون التي نحن بالغنى عنها.  

 

وأبدت تخوفها من تأخر الدولة اللبنانية في الاستفادة من مواردها الطبيعية، إذ إن العالم يتحول وبسرعة كبيرة من مجال استخدام النفط والغاز والفحم إلى الطاقة المتجددة والنظيفة. وأضافت "لا يزال هناك نقاشات عن أنه هناك مستقبل للغاز كونه الطاقة الانتقالية بين الطاقة الأحفورية والطاقة المتجددة ولكن بمنافسة شديدة مع الطاقات المتجددة، لهذا كل ما تأخر لبنان كل ما زادت الشكوك حول منفعة هذا القطاع مستقبلًا والقدرة على الاستفادة وتحصيل مردود مالي منه".

 

إذًا، على الحكومة اللبنانية وهيئة إدارة قطاع البترول، السعي إلى جانب صانعي السياسات وأصحاب المصلحة الرئيسيين إلى بناء أنظمة شفافة وخاضعة للمساءلة تحظى بثقة المواطنين اللبنانيين، وأن تشرك الحكومة منظمات المجتمع المدني في المشاورات المتعلقة بدور النفط والغاز المحتمل في االقتصاد اللبناني وبمستقبل أنظمة الطاقة في ظل أزمة المناخ. 

 

كما يطالب مجلس النواب والوزارات المعنية التشدد بشروط الإفصاح عن الملكية النفعية والأصول التابعة للمسؤولين الحكوميين وأن تطبق عمليات تدقيق متينة تشمل كافة المؤسسات المسؤولة عن قطاع النفط والغاز.

 

ومن جهةٍ أخرى، على مجلس الوزراء أن ينشئ السجل البترولي والصندوق السيادي وتشغيله، من أجل بناء إطار قانون قوي واعتماد ممارسات شفافة وخاضعة للمساءلة، وفي الإطار المالي ينبغي على وزارة المال أن تضع قواعدًا وسقوفًا مالية قبل البدء بأنشطة إنتاج النفط والغاز بهدف تفادي سوء الإدارة المالية أو اختلاس الإيرادات الناجمة عن الموارد، على أمل أن تبدأ الجهات المعنية بتنفيذ هذه الخطوات والالتزام بالقوانين المرعية الإجراء كي لا يصبح قطاع النفط كغيره من القطاعات غير منتج وينخر به الفاسد. 

 

والسؤال الأكبر اليوم، مع تحول العالم إلى الطاقة البديلة ألا يجب أن تتوقف الدولة اللبنانية وتقوم بدراسات معمّقة أكثر عن حقيقة استفادتها من الطاقة الأحفورية؟ وهل من الأفضل أن تضع كل طاقاتها واستثماراتها في مجال الطاقة البديلة والإبقاء فقط على شراء الغاز لاستخدامه في بعض العمليات كطاقة انتقالية؟

TAG : ,oil ,gas ,oilandgas ,نفط وغاز ,غاز ,نفط ,طاقة أحفورية ,طاقة متجددة ,حوكمة ,موارد طبيعية ,تنقيب ,وزارة الطاقة