دخل قانون الشراء العام حيّز التنفيذ في 29 تموز 2022، لينتقل نظام الشراء العام والصفقات العمومية إلى مرحلة جديدة من الشفافية والمساءلة والمحاسبة تضمن عدم هدر المال العام.
ورافق دخول القانون حيز التنفيذ تقارير عن إشكاليات وثغرات، قيل إنها تحول دون تطبيقه لاسيما من قبل المجالس البلدية التي ستجد نفسها أمام خيارين: الشلل التام أو خرق القانون.
فما هي هذه الثغرات؟ وهل ستحول فعلاً دون تطبيق القانون من المجالس البلدية؟
يشكّل قانون الشراء العام خطوة متقدّمة في مجال توحيد أنظمة الشراء العام وشموليتها في مختلف القطاعات التي تتولى إنفاق المال العام كالمؤسسات العامة والبلديات والمجالس. يعتمد القانون المركزية في كل ما يرعى عملية الشراء العام واعتماد الصفقات العمومية التي تضمن المنافسة الشفافة والكلفة الأقلّ على الدولة والمواطن.
وأوضح المستشار القانوني للجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية محمد المغبط في حديث سابق لموقع "مهارات نيوز"، أن أحد أهم أهداف القانون هو توحيد منظومة الشراء، التي كانت سابقا موزّعة على الكثير من المراسيم الاشتراعية والقرارات، وهنا كانت المشكلة بتقويض فعالية المنظومة نظراً لتداخل المصالح بين العديد من الجهات.
وقد نشرت "مهارات نيوز" تحقيقا يفصّل قانون الشراء العام وعمل هيئة الشراء العام ولجنة الاعتراضات.
توقيت وضع القانون حيّز التنفيذ
نشرت جريدة الأخبار تقريراً أوردت فيه أن إقرار قانون الشراء العام أتى استجابة للضغوط الدوليّة وإرضاء للمجتمع الدولي لإظهار التزام السلطة بإقرار قوانين إصلاحية ولو أتت ناقصة
صحيح أن إقرار القانون يكتسب أهمية خاصة بالنسبة إلى المجتمع الدولي، باعتباره جزءاً من الثلاثية الإصلاحيّة التي تتضمّن أيضا استقلالية القضاء وإصلاح قطاع الكهرباء، لكنه يشكل كذلك "سلاح" البرلمان اللبناني لإنهاء صفقات التراضي وفوضى المناقصات التي لطالما شابت العقود العامة.
وفي سياق متّصل، تقول المديرة التنفيذية لمعهد باسل فليحان المالي لميا المبيّض لـ"مهارات نيوز" إنّ القانون هو مطلب شعبي ومجتمعي تقاطع مع المطالب الدولية.
وفي ما يتعلّق بتوقيت دخوله حيّز التنفيذ، تشرح مبيّض أنه تم إقرار القانون في تموز 2021 مع مهلة سنة لإدخاله حيّز التنفيذ (شهر تموز الماضي)، أي أنه ما من استعجال في ما حصل.
وتضيف "تقنيا كنا نحتاج لسنتين لعوامل عدّة، منها الظروف السياسية (الانتخابات النيابية والرئاسية)، وتشكيل الهيئات، وتدريب الموظّفين وإطلاق المنصّة الإلكترونية بشكل يتناسب مع قانون إصلاحي جذري مماثل".
بالتالي، فإن إدخال القانون حيّز التنفيذ أتى ضمن المهلة المحدّدة له، وفق المبيض، وإن كان من الأفضل لو أعطي المزيد من الوقت لحلّ مسائل تقنيّة بدأ المعنيين باتخاذ إجراءات بشأنها كي لا تشكّل عائقاً أمام تنفيذه.
الثغرات القانونية
تناقلت وسائل الإعلام أن إحدى الثغرات التي ستحول دون تطبيق قانون الشراء العام هي عدم تشكيل هيئة للشراء العام ولا لجنة اعتراضات.
تنصّ المادة 74 من قانون الشراء العام، على إنشاء هيئة ناظمة للشراء العام بدلاً من دائرة المناقصات، أولى مهامها الرصد والإشراف وتوحيد الأنظمة والأساليب والممارسات والمراجعة الإدارية والقضائية، دفاعاً عن المال العام في قضايا الصفقات العمومية.
ونظرا لوجود فترة انتقالية مع بدء تنفيذ القانون، تشير المادة 88 من القانون والتي ترعى الأحكام الانتقالية، إلى إلغاء إدارة المناقصات ونقل موظفيها إلى هيئة الشراء العام من دون تعديل في الرتبة والراتب، ويكون مدير عام إدارة المناقصات (جان عليّة) رئيسا للهيئة. كما يكون الموظفون والمتعاقدون والأجراء الحاليون في إدارة المناقصات من ضمن الهيكل الإداري بهيئة الشراء العام. وإلى حين تعيين أعضاء الهيئة، يتولّى رئيس الهيئة مهامها.
أما لناحية هيئة الاعتراضات، تنصّ المادة 89 على إنشاء هيئة مستقلّة تُعنى ببتّ الاعتراضات المقدّمة بشأن الإجراءات أو القرارات الصادرة عن الجهة الشارية أو أي من الجهات المعنيّة بعملية الشراء.
وتتشكّل الهيئة من رئيس وثلاثة أعضاء يعيّنون بموجب مرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح رئيس الحكومة وفقا لشروط التعيين، وتحدّد ولاية الرئيس والأعضاء الثلاثة بأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
وفي هذا السياق، يقول رئيس هيئة الشراء العام جان علية لموقع "مهارات نيوز" إنّ لجنة الاعتراضات ليست مشكّلة بعد، والأمر بيد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لكنه لا يستطيع تشكيلها لأن الحكومة حكومة تصريف أعمال.
في هذه الحالة، وإلى أن تنشأ هيئة الاعتراضات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، يبقى العمل في نظام الاعتراضات الحالي قائما. فإما أن تقدّم الاعتراضات الى ديوان المحاسبة على شكل شكوى إلى النيابة العامة لديه، أو تتم مراجعة قضاء العجلة في مجلس شورى الدولة في مرحلة ما قبل التعاقد.
وعلى الرغم من عدم القدرة حاليا على تأليف الهيئة، إلاّ أنّ دور رئيس الحكومة اليوم هو الطلب من مجلس الخدمة المدنية وهيئة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة إجراء المقابلات والامتحانات والأطر المنصوص عليها قانونا لتحديد الناجحين. وبذلك، تكون الهيئة جاهزة لأن تتشكّل فور تشكيل حكومة جديدة.
تشكّل الهيئة، وفق ما يشرح علية، إحدى ركائز القانون، "إلاّ أنّ تأليفها ليس كافياً لتحقيق الإصلاح في ما يخص الإنفاق المالي".
ويوضح "إذا لم يترافق الأمر مع تعيينات على أساس الكفاءة والخبرة خارج الإطار السائد في ما يخصّ التعيينات، وإذا لم يترافق مع قضاء مستقلّ يكون عادلاً في البتّ بالقرارات المقدّمة من الهيئة، حينها لن يتطبّق لا قانون شراء عام ولا أي إصلاح في هذا البلد".
ماذا عن عمل المجالس البلديّة؟
تنصّ أحكام قانون الشراء العام وتحديدا المادة 100 منه على تشكيل البلديات لجنة تلزيم تكون مهمتها دراسة ملفات التأهيل وتقييم العروض وبالتالي تحديد العرض الأنسب، ولجنة استلام تكون مهمتها النظر في شروط العقود ورصد المخالفات في حال وجدت، ورفض الاستلام قبل حلّ هذه المخالفات.
وتتألف كل من اللجنتين من ثلاثة أعضاء على أن يكونوا من موظفي الفئة الثالثة على الأقلّ. وقد نتج عن ذلك جملة اعتراضات من البلديات لندرة موظفي الفئة الثالثة لديها، ما سيحول دون القدرة على تطبيق القانون.
وقد سألت مهارات نيوز بلديات من مناطق عدّة عن عدد موظفي الفئة الثالثة لديها، بينها بلديات صور ومشغرة وبرج البراجنة والدكوانة وغيرها، لتتنوّع الأجوبة بين موظّف واحد أو موظّفين، حتّى أن بعض البلديات لا تمتلك أي موظف من هذه الفئة.
لحلّ هذه الإشكالية، وبسبب النقص الموجود في موظفي الفئة الثالثة، أصدر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي تعميما بتاريخ 24 آب 2022 يتيح للبلديات التي لا تضم موظفين من الفئة الثالثة لتشكيل لجان الاستلام، استكمالها بصورة استثنائية من موظفي الاتحاد الذي تنضوي فيه، أو من موظفي وزارة الداخلية والبلديات، المدرجة أسماؤهم في اللائحة الموحّدة لدى هيئة الشراء العام.
أما بالنسبة للجان التلزيم، فقد أصدرت هيئة الشراء العام قراراً في 11 آب 2022، يعطي البلديات الحق بتشكيل لجنة التلزيم من خارج إطار الفئة الثالثة. ويقول عليّة: "هدفنا مساعدة البلديات وتدريب الكوادر لديها، وفي حال عدم وجود موظفي فئة ثالثة، يمكن الاستعانة بموظفي فئة رابعة أو موظفّين من اتحاد البلديات أو من أعضاء البلدية، في حين أنّ البلديات الصغيرة التي تشتري بالفاتورة ليست بحاجة إلى لجنة تلزيم".
وتشير المبيّض إلى أن هذا الأمر ليس مخالفاً للقانون، كونه يجيز تكليف من يتم رؤيته مناسبا، على غرار تكليف موظّفين من الفئة الأولى في قطاعات حيويّة، كما هو الحال مع أورور فغالي مديرة عام النفط في وزارة الطاقة والمياه.
ويحسم عليّة الجدل حول اللجان قائلاً: "هدفنا مساعدة البلديات وتشكيل لجان مدرّبة تطبّق الشراء العام، وبالتالي تعزيز المساءلة والمحاسبة في ما يخص الإنفاق المالي وتعزيز الشفافية بعرض كل المعلومات المتعلّقة بالصفقات العمومية والإنفاق المالي بشكل شفاف على المنصّة الالكترونية التي تشكّل إحدى ركائز القانون".
إذاً، ورغم وجود بعض الثغرات لجهة عمل البلديات، انما تم حلّ هذه الإشكاليات بشكل استثنائي لتسهيل تطبيق البلديات لقانون الشراء العام.
ويبدي عليّة تفاؤله بالقانون باعتباره إصلاحياً جذرياً وكونه يشكل إطاراً عملياً لقانون حق الوصول الى المعلومات، عبر عرض معلومات الإنفاق المالي بشكل شفاف ومن دون طلب مسبق، وكذلك إطاراً عملياً لمراقبة الإنفاق وإصلاح الخلل في حال وجد.
ويبدي في المقابل تخوّفه من أداء السلطة في التعيينات واحتمال انعكاس هذا الأداء على تعيينات هيئة الاعتراضات، مؤكدا أنه حينها "لن يتحقّق أي إصلاح في هذا البلد".
TAG : ,قانون الشراء العام ,معهد باسل فليحان ,هيئة الشراء العام ,جان علية ,هيئة الاعتراضات ,لجنة التلزيم ,لجنة الاستلام