كما في كل شيء، كان لانتشار وباء كورونا تداعيات على مختلف جوانب الحياة. انتشار هذا الفيروس فضح معه أوبئة أخرى تعاني منها المجتمعات منذ فترات طويلة، إلا أن الحجر الصحي وإغلاق مرافق الحياة في كل العالم ضاعف من آثار مخاطر عديدة من شأنها أن تودي إلى عواقب كارثية.
الابتزاز الالكتروني، واحدة من الجرائم الدولية التي تضاعفت بسبب أزمة الكورونا والحجر الصحي. الخوف الذي ينتج عن ابتزاز وتهديد أحدهم لك بفضح المحادثات والصور الخاصة لا يختلف عن الخوف من الإصابة بالفيروس. وما قام به العالم من تباعد اجتماعي حرصًا على عدم نقل المرض، لم يبعد البعض عن استغلال التقارب الالكتروني لممارسة وحشيتهم.
في لبنان، توفر الوقت في فترة التعبئة العامة وانعدام المال بسبب الأوضاع الاقتصادية ووباء كورونا، عوامل تضافرت وأدت إلى ارتفاع نسبة الابتزاز الالكتروني. يوصّف القانون اللبناني الابتزاز بالجريمة، حيث يتم من خلالها التهديد بنشر صور أو فيديوهات خاصّة بالضحيّة بهدف الحصول على مبالغ مالية، أو دفع الضحيّة للقيام بأعمال غير مشروعة. وبحسب قوى الأمن الداخلي ارتفعت نسبة شكاوى جرائم الابتزاز والتحرش الجنسي بنسبة 184% خلال فترة التعبئة العامة. هذا العام، حتى شهر أذار 2020 وصلت عدد الشكاوى إلى 315 شكوى. مسؤول في شعبة العلاقات العامة لقوى الأمن الداخلي يقول لـ "مهارات نيوز" "أن النساء أكثر عرضة لخطر الابتزاز الالكتروني، الذي ينتج عن تقارب إلكتروني معين يصل إلى حد إرسال صور شخصية بوضعيات غير لائقة، أو من خلال القرصنة. فئة الفتيات الواتي تتراوح أعمارهن بين ال 12 أو الـ 14 سنة هن ضحايا جريمة الابتزاز أكثر من غيرهن". ملاحقة القوى الأمنية للمبتزين عادةً ما تبوء بالنجاح عبر إلقاء القبض على المبتز، وتكاد نسبة النجاح في ملاحقة المبتزين في لبنان تصل إلى 100% بحسب ما أكده المسؤول في شعبة العلاقات العامة لـ "مهارات نيوز". أما الغايات خلف القيام بهذه العمليات الابتزازية، فهي مادية أو جنسية من أجل السيطرة على الضحية واستغلالها إلى حد الاستعباد وصولا إلى تهديدها بالقتل أو الخطف". وبحسب المادة 650 من قانون العقوبات اللبناني، يُعاقب كل شخص يهدّد شخص آخر بِفَضح أمر ينال من شرفه أو كرامته أو اعتباره بالسجن من شهرين إلى سنيتن وبالغرامة المالية.
المعضلة الأكبر كما تشرحها لطيفة الحسنية المسؤولة عن حملة "ما يبتزك نحنا حدّك" هي "تواجد المبتزين خارج لبنان، بحيث تعجز القوى الأمنية عن حماية الضحية خلال تعرضها للابتزاز. وهنا من الضروري جدًا التركيز على كيفية مخاطبة المبتز واللغة المعتمدة معه حرصًا على عدم إغضابه ثم كشف ما لديه". بعد إطلاقها لحملتها في العام 2019 بمبادرة فردية منها، استطاعت هذه الحملة استقطاب متطوعين من كل البلاد، تقول حسنية " تمكنا بفضل مساعدة المتطوعين من أماكن تواجدهم بإنقاذ عدد كبير من الفتيات من الابتزاز".
وتكشف الحسنية عن الأساليب التي يعتمدها المبتز من أجل تحقيق مراده، فهو يقوم بتعنيف الضحية نفسيًا وجسديًا، ويهدّدها بالقتل. مكسورة اليد وصلت إحدى الفتيات إليّ بعد أن قام مبتزها بضربها. ناهيك عن المكالمات الأخيرة التي تردنا من فتيات على شفير الانهيار بسبب ما يتعرّضن له".
الشاشة ما بتحمي
أكثر من مئة إمرأة وفتاة يبلّغن شهريًّا عن تعرّضهن للعنف الالكتروني بكافة أنواعه، بحسب قوى الأمن الداخلي. لهذا، أطلقت منظمة "في-مايل" حملتها الإعلامية "الشاشة ما بتحمي" وتهدف حملة "الشاشة ما بتحمي" الى التأكيد على أن النساء والفتيات في لبنان والعالم العربي لهن الحقّ في الوصول الى الإنترنت وإستخدامه بحريّة وأمان من دون التعرّض للعنف الإلكتروني بكافة أنواعه.
لماذا الشاشة ما بتحمي؟ "الشاشة ما بتحمي" تعني ان الشاشة لن تحمي النساء والفتيات من العنف الإلكتروني وخرق الخصوصية في حال لم يقمن باتخاذ خطوات الحماية التقنية، ولكنها في نفس الوقت لن تحمي المعتدي أيضًا والذي ستتم محاسبته.
في حديث لـ "مهارات نيوز" ترى المديرة التنفيذية لـ "في-مايل" حياة مرشاد أن " العنف الالكتروني هو امتداد للعنف الذي تتعرض له النساء في الواقع والذي يمارسه النظام الأبوي الذكوري بما منحه من سلطة وصلاحيات للذكور على النساء. هذا العنف بما ينتج عنه من ظواهر الكترونية لا يقل تدميرًا وأثرًا سيئًا على النساء من أنواع العنف الأخرى".
بحسب مرشاد، يتقاطع العنف الالكتروني مع أشكال العنف الأخرى من ناحية الخوف الذي تعيشه النساء عند مواجهة معنفها، فتتردد نساء كثيرات في التبليغ عن المبتز بسبب محيطها ومجتمعها ووصمة العار وارتباطها بالشرف، بينما تخاف نساء اخريات من حرمانهن من استعمال الانترنت".
ما تقوم به القوى الأمنية من جهود توعوية وقانونية لملاحقة المبتزين يعوّل عليه، لكن العمل الحقيقي يتبلور من خلال إقرار قانون خاص بالعنف الالكتروني بما له من خصوصية وجوانب مختلفة، لأنها جريمة تستحق تشريع قانون خاص فيها، تطلب مرشاد.
اما المدير التننفيذي لمنظمة سمكس للحريات الرقمية محمد نجم فيرى في حديث لـ "مهارات نيوز" أن كثرة القوانين لا تفيد بل على العكس قد تضر. فكلما أضفنا قوانين جديدة ستساهم في التضييق أكثر على الأشخاص المفترض حمايتهم من خلال هذا القانون. كما ان العقوبة المنصوص عنها في قانون العقوبات يمكن ان تنطبق على جريمة الابتزاز الالكتروني أيا كانت الوسائل التي يستخدمها المبتز بقصد التشهير والابتزاز الكترونيًا أو في الواقع".
المطلوب اليوم بحسب نجم، هو العودة إلى القانون وتقييمه لإيجاد مكامن الخلل حتى في آليات الحماية وتعاطي القضاء مع هذه الجريمة وصولاً إلى تعامل القوى الأمنية مع هذه الجرائم وهي تقوم اليوم بجهود واضحة في هذا الإطار.
تطلب القوى الأمنية اليوم من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي الحرص جيدًا قبل التواصل مع أي غريب، وعدم الاستهانة في ارسال صور لأي أحد لما في الأمر من خطورة. وفي حال التعرض للابتزاز التبليغ فورًا، وعدم التمادي الكترونيًا وعدم الانجرار وراء رغبات المبتزين لأننا نقدم لهم أسلحة لاستغلالنا.
" يمكننا انقاذ أكثر من 20 ضحية بعد التبليغ عن مبتز واحد" هذا ما يؤكده المسؤول في قوى الأمن الداخلي في حديث لـ "مهارات نيوز". على موقعها الالكتروني، تزود القوى الأمنية المواطنين بلائحة نصائح حول كيفية التصرف في حال التعرض للابتزاز
حماية أنفسنا على وسائل التواصل الاجتماعي ضرورة قصوى اليوم، ويمكن تفادي أي خطأ يمكن وقوعه علينا من خلال "البلوك أو الحظر". إلا أن هناك ما هو أبعد من الحظر. أغلب جرائم الابتزاز تحصل من قبل أشخاص كنا نعرفهم مسبقًا، وأولينا بهم الثقة، كصديق أو زوج أو حبيب، هؤلاء هم من يمكن ان يحولونا إلى ضحاياهم بعد تهديدنا بنشر كل ما يملكونه عنا. الذنب لا يقع دومًا على الضحية ولا تُلام وحدها على فعل قامت به مرة، والحملات الإعلامية لا يجب أن تخاطبها وحدها. هي الضحية هنا، الحملة الإعلامية يجب أن تكون في وجه المجرم ايضا، أي المبتز.
TAG : ,sextortion ,corona ,كوفيد-19 ,لبنان ,الابتزاز الالكتروني