Loading...
true

صحيح

الردم
هل يمكن التعاقد بالتراضي بأسعار مختلفة بين متعهد وآخر في عملية إزالة الردم؟
21/01/2025

منذ انتهاء الحرب على لبنان، برزت مسألة رفع الردم كإشكالية جديدة، فبحسب ما ورد في مقال لجريدة الأخبار، فإن خلافات وقعت بين الأطراف المعنية بتلزيم إزالة الأنقاض على خلفية السعر الذي يجب أن يُعتمد، وأن الأطراف الثلاثة مجلس الجنوب، الهيئة العليا للإغاثة وإتحاد بلديات الضاحية أجرت مشاورات مع متعهدين، لكن تبيّن أن هذه الأطراف عادت من هذه المشاورات بمعايير مختلفة للتسعير. 

 

ولكن هل يمكن التعاقد بالتراضي بأسعار مختلفة بين متعهد وآخر في عملية إزالة الردم؟

 

بدأت عملية إزالة الأنقاض، وسط تضارب المعلومات حول آلية احتساب كلفة إزالة الركام ورفع الأنقاض الناجمة عن الحرب. وكان مجلس الوزراء قد أقرّ دفتري شروط لمعالجة الردم، الأول بالتراضي للنقاط التي لا تحتمل التأخير لأنها تهدد السلامة العامة أو تعرقل السير أو لسبب ما يُعدّ تأخيرها مضرّاً، والثاني عن طريق طرح مناقصة.

وأعلن وزير الأشغال اللبناني علي حمية، أنه جرى إتخاذ القرار بتحويل إعتمادات إلى إتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، ومجلس الجنوب والهيئة العليا للاغاثة ، وهي 900 مليار ليرة إلى مجلس الجنوب و900 مليار ليرة إلى اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية و500 مليار ليرة إلى الهيئة العليا للإغاثة".

وكان قد وافق مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 17 كانون الأول 2024 على دفتري الشروط وملحقاتهما لتلزيم أعمال الهدم والإزالة للمباني المهدّمة كليا أو جزئيا جرّاء العدوان الاسرائيلي. وقد إنقسم دفتري الشروط بين نموذج للعقود الرضائية لأعمال إزالة الردم المستعجلة أي التي تؤثر مباشرة على سير الحياة اليومية في المناطق المتضرّرة، وآخر للعقود بالمناقصة العمومية لإزالة ما تبقّى من مباني مهدّمة وردم.

 

وحول عملية التسعير، ورد في دفتري الشروط أن وحدة التسعير هي بالمتر المكعّب من دون ذكر تفاصيل حول تسعيرة المتر، لذا تواصل فريق "مهارات نيوز" مع مصدر في وزارة الأشغال والذي أكّد أنّ السعر الأعلى الذي حدّده مجلس الوزراء لإزالة الأنقاض ومعالجتها في بيروت هو (5.01$)، أما في الجنوب والبقاع فالسعر الأعلى هو (3.65$)، كما وتمّ الإتفاق على أن يتم تحويل كلّ الردم في بيروت والضاحية إلى الكوستا برافا وتمّ تحديد مواقع مقالع سابقة مهملة لباقي المناطق ليتم معالجة الردم فيها.

وبحسب المصدر فإن السبب الرئيسي لإختلاف الأسعار، "أن إحتساب الكلفة يكون على أساس المعدات والشاحنات التي سيتم إستخدامها، كما وأن عملية النقل من الكوستا برافا مثلاً تحتاج وقت أكثر من الوقت الذي يحتاجه إزالة ردم منزل في الجنوب، وإن  الحركة وإمكانية الوصول والإنتاجية في بيروت أقلّ منها في الجنوب".

 

وفي هذا الإطار، تؤكد خبيرة الشراء العام في معهد باسل فليحان رنا رزق الله، في حديثٍ لـ "مهارات نيوز"، أنّه  و"في حالة التعاقد الرضائي، تندرج جميع شروط التلزيم، بما فيها الأسعار في أحكام العقد. وبالتالي فإذا كانت الأسعار المتفق عليها في العقد هي التي تكون نافذة. أما شروط العقد، فمن المفترض أن يتفق عليها كل من الجهة الشارية والمتعهد، وهما الفريقان اللذان يوقعان العقد".

ورداً على هذه النقطة، يقول المصدر في وزارة الأشغال، "إنّ رئيس إتحاد بلديات الضاحية الجنوبية أرسل دفاتر الشروط للمتعهدين وقدمت كل جهة ملفاتها التقنية والمالية وبناءً على ذلك تم إختيار المؤهل لهذه العملية الذي يمتلك المعدات المطلوبة وفق دفتر الشروط، وبناءً على سعر (5.01$) بالمتر المكعب كحدّ أقصى الذي كان حدّده مجلس الوزراء. أي أنه لم يذهب مباشرة للتعاقد الرضائي ولكن الإختيار تمّ بناءً على إستدراج عروض لمن يرغب بالتقديم".  

 

وحول تفاصيل التعاقد، يضيف المصدر أنّ 15 شركة تقدّمت بملفاتها وتمّ اختيار 5 شركات منها، من ثمّ فازت شركة "البنيان" بسعر 3.65 دولار للمتر المكعب لإزالة الردم في ضاحية بيروت الجنوبية.

وهنا تُطرح إشكالية أخرى وهي المعايير المعتمدة لتصنيف الردم بين ما هو ضروري وملحّ ويخضع للعقود الرضائية وبين ما يمكن أن ينتظر ويخضع للمناقصة العمومية، ويتم العمل على متابعة هذا الأمر ولكن لا وضوح حتى الآن من الجهات المعنية.

في هذا السياق، تشير رزقالله، إلى ضرورة مراجعة الأسباب التي تدفع إلى التعاقد بالتراضي، لأن هذه العقود تتم خارج نطاق المناقصات العامة وتُعتمد فقط في ظروف إستثنائية، وأن الجهات الشارية هي الجهات الملّزمة ولا أحد غيرها. وتتسائل عما إذا كانت الحالة التي تمّ اللجوء فيها إلى التعاقد بالتراضي تتماشى مع الشروط المحددة في القانون. وتشدد على أهمية التحقق من قانونية هذه الخطوة قبل الدخول في أي نقاش حول التسعيرة.

 

التعاقد بالتراضي: إزالة الردم من ضمن الإستثناءات

بالعودة إلى قانون الشراء العام، وتحديداً البند السابع من المادة 46 التي تنص على أنه يجوز للجهة الشارية أن تَقوم بالشراء بواسطة إتفاق رضائي في ظروف إستثنائية منها: "في حالات الطوارئ والإغاثة من جَرّاء وقوع حدث كارثي وغير مُتَوَقَّع".

والتعاقد بالتراضي يُعتبر وسيلة مرنة تمكّن الجهات الحكومية من التفاوض المباشر مع متعهدين محددين، بهدف الحصول على خدمات أو تنفيذ مشاريع بسرعة، مع الحفاظ على معايير الجودة والكفاءة. وعلى الرغم من فوائده، يواجه التعاقد بالتراضي تحديات كبيرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بتوحيد المعايير لضمان عدم وجود تفاوت غير مبرر في الأسعار والشروط بين المتعهدين.

 

ولكن هذا النوع من الإتفاقات الإسثنائية، لا يعفي الجهة الشارية من مسؤوليتها بحسن إدارة المال العام ولا يعفيها من عملية المراقبة اللاحقة عبر الاحتفاظ بالعقود والفواتير ليتم تحويلها إلى ديوان المحاسبة بعد مدّة زمنية من إنتهاء الظرف الطارئ، وكانت قد نشرت مهارات عدّة تقارير تشرح فيها مسؤولية الجهة الشارية في حالات الطوارئ.

 

وفي حالة الحرب الإسرائيلية على لبنان، وافقت هيئة الشراء العام في المذكرة رقم 8 الصادرة بتاريخ 30 أيلول 2024 على إجراء تعاقد بالتراضي لناحية شراء مستلزمات الإغاثة، وقد شملت المذكّرة عمليات إزالة الردم من ضمن الإستثناءات، الأمر الذي يشرّع القيام بعقود رضائية لإزالة الردم.

 

إذاً، صحيح أنه يمكن التعاقد بالتراضي بأسعار مختلفة بين متعهد وآخر في عملية إزالة الردم، بناءً على الإتفاق الذي حصل بين الدولة وهيئة الشراء العام على سعرين (5.01$) في بيروت و(3.65$) للجنوب والبقاع، لإختلاف شروط العمل والمنطقة وإمكانية الوصول والإنتاجية، ولكن ملف إزالة الردم يطرح العديد من التساؤلات والإشكاليات حول الأثر البيئي والتدابير المتخذة، والمعايير المعتمدة لتصنيف الردم بين ما هو طارئ وغير طارئ لناحية إزالته، وأيضاً المعايير التي إعتمدت لتلزيم مكتب "خطيب وعلمي" لإجراء الإستشارة بما يخص دفاتر الشروط، على أن يتم متابعة هذه الإشكاليات في تقارير وتحقيقات لاحقة.